سورة الزخرف - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزخرف)


        


{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26)}
{وَإِذْ قَالَ إبراهيم} أي واذكر لهم وقت قوله عليه الصلاة والسلام {لاِبِيهِ} آزر {وَقَوْمِهِ} المكبين على التقليد كيف تبرأ مما هم فيه بقوله: {إِنَّنِى بَرَاء مّمَّا تَعْبُدُونَ} وتمسك بالبرهان، والكلام تمهيد لما أهل مكة فيه من العناد والجسد والإباء عن تدبر الآيات وأنهم لو قلدوا آباءهم لكان الأولى أن يقلدوا آباهم الأفضل الأعلم الذي هم يفتخرون بالانتماء إليه وهو إبراهيم عليه السلام فكأنه بعد تعييرهم على التقليد ويعيرهم على أنهم مسيئون في ترك اختياره أيضًا.
وبراء مصدر كالطلاق نعت به مبالغة ولذلك يستوي فيه الواحد والمتعدد والمذكر والمؤنث.
وقرأ الزعفراني. والقورصي عن أبي جعفر. وابن المنذري. عن نافع {بَرَاء} بضم الباء وهو اسم مفرد كطول وكرام بضم الكاف، وقرأ الأعمش {بري} وهو وصف كطويل وكريم وقراءة العامة لغة العالية وهذه لغة نجد.
وقرأ الأعمش أيضًا {الله إِنّى} بنون مشددة دون نون الوقاية.


{إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27)}
{إِلاَّ الذى فَطَرَنِى} استثناء متصل إن قلنا إن ما عامة لذوي العلم وغيرهم وأنهم كانوا يعبدون الله تعالى والأصنام وليس هذا من الجمع بين الله تعالى وغيره سبحانه الذي يجب اجتنابه لما فيه من إيهام التسوية بينه سبحانه وبين غيره جل وعلا لظهور ما يدل على خلاف ذلك في الكلام أو منقطع بناء على أن ما مختصة بغير ذوي العلم وأنه لا يناسب التغليب أصلًا وأنهم لم يكونوا يعبدونه تعالى أو أنهم كانوا يعبدونه عز وجل إلا أن عبادته سبحانه مع الشرك في حكم العدم، وعلى الوجهين محل الموصول النصب، وأجاز الزمخشري أن يكون في محل جر على أنه بدل من ما المجرور، ن، وفيه بحث لأنه يصير استثناء من الموجب ولم يجوزوا فيه البدل، ووجهه أنه في معنى النفي لأن معنى {إِنَّنِى بَرَاء مّمَّا تَعْبُدُونَ} [الزخرف: 26] لا أعبد ما تعبدون فهو نظير قوله تعالى: {ويأبى الله إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة: 32] إلا أن ذلك في المفرغ وهذا فيما ذكر فيه المستثنى منه وهم لا يخصونه بالمفرغ ولا بألفاظ مخصوصة أيضًا كأبي وقلما، نعم إن أبا حيان يأبى إلا أنه موجب ولا يعتبر النفي معنى، وأجاز أيضًا أن تكون {إِلا} صفة عنى غير على أن {مَا} في ما {تبعدون} نكرة موصوفة والتقدير إنني براءة من آلهة تعبدونها غير الذي فطرني نظير قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] واعتبار ما نكرة موصوفة بناء على أن إلا لا تكون صفة إلا لنكرة وكذا اعتبارها عنى الجمع بناء على اشتراط كون النكرة الموصوفة بها كذلك، والمسألة خلافية، فمن النحويين من قال إن إلا يوصف بها المعرفة والنكرة مطلقًا وعليه لا يحتاج إلى اعتبار كون ما نكرة عنى آلهة، وفي جعل الصلة {فَطَرَنِى} تنبيه على أنه لا يستحق العبادة إلا الخالق للعابد {فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} يثبتني على الهداية فالسين للتأكيد لا للاستقبال لأنه جاء في الشعراء (78) {يهدين} بدونها والقصة واحدة، والمضارع في الموضعين للاستمرار، وقيل: المراد {سَيَهْدِينِ} إلى وراء ما هداني إليه أولًا فالسين على ظاهرها والتغاير في الحكاية والمحكي بناء على تكرر القصة.


{وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28)}
{وَجَعَلَهَا} الضمير المرفوع المستتر لإبراهيم عليه السلام أو لله عز وجل والضمير المنصوب لكلمة التوحيد أعني لا إله إلا الله كما روى عن قتادة. ومجاهد. والسدي ويشعر بها قوله: {إِنَّنِى بَرَاء مّمَّا تَعْبُدُونَ} [الزخرف: 26] الخ، وجوز أن يعود على هذا القول نفسه وهو أيضًا كلمة لغة {كَلِمَةً باقية فِى عَقِبِهِ} في ذريته عليه السلام فلا يزال فيهم من يوحد الله تعالى ويدعو إلى توحيده عز وجل.
وقرأ حميد بن قيس {كَلِمَةَ} بكسر الكاف وسكون اللام وهي لغة فيها، وقرئ {فِى عَقِبِهِ} بسكون القاف تخفيفًا و{فِى} أي من عقبه أي خلفه ومنه تسمية النبي صلى الله عليه وسلم بالعاقب لأنه آخر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
{ءاخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} تعليل للجعل أي جعلها باقية في عقبه كي يرجع من أشرك منهم بدعاء من وحد أو بسبب بقائها فهيم، والضميران للعقب وهو عنى الجمع، والأكثرون على أن الكلام بتقدير مضاف أي لعل مشركيهم أو الإسناد من إسناد ما للبعض إلى الكل وأولوا لعل بناء على أن الترجي من الله سبحانه وهو لا يصح في حقه تعالى أو منه عليه السلام لكنه من الأنبياء في حكم المتحقق ويجوز ترك التأويل كما لا يخفى بل هو الأظهر إذا كان ذاك من إبراهيم عليه السلام.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12